فعلها خوسيه مورينيو.. استقال من تدريب فريق تشلسي الانجليزي بصورة مفاجئة بعد أقل من 48 ساعة على تعادل مخيب للآمال أمام روزنبورغ النرويجي في الجولة الأولى من دور المجموعات بمسابقة دوري أبطال أوروبا.
ويا لها من مفاجأة بالنسبة لعشاق الـ"بلوز"، لقد كان الطلاق وشيكا بين الطرفين بعد انتهاء منافسات الموسم الماضي، لكن تحسن العلاقات بين مورينيو ومالك النادي رومان ابراموفيتش زرع الطمأنينة في نفوس أنصار الفريق الذين يعانون من إدمان متابعة الرجل البرتغالي العنيد أينما ذهب.
أسباب هذا القرار لم تكشف بعد، قد يكون السبب هو عدم دعم الفريق بالنجوم اللامعة كما حدث في المواسم الثلاثة الماضية، وقد يكون التعادل أمام روزنبورغ سببا في حدوث خلاف شديد بين مورينيو وأبراموفيتش، وقد يكون السبب هو رغبة المدرب البرتغالي في خوض تحد جديد.
بغض النظر عن الأسباب.. فقد انتهى عصر مورينيو في تشلسي، وعلى النادي الإنجليزي البحث عن بديل مناسب لتولي المهمة خاصة إذا ما أراد المنافسة بقوة على بطولات الموسم الحالي، وأهم البدائل المطروحة تتمثل في الهولندي غوس هيدينك مدرب المنتخب الروسي والصديق الشخصي للملياردير أبراموفيتش.
ولا يوجد مجال للشك في أن مسيرة مورينيو مع تشلسي ناجحة بكل المقاييس رغم أنه لم يحقق حلما راود الجماهير بإحراز لقب دوري الأبطال، جعل مورينيو من تشلسي فريقا لا يقهر، وصنع نجوما براقة في عالم كرة القدم مثل لامبارد ودروغبا وجو كول وغيرهم الكثير.
ولد مورينيو في مدينة سيتوبال البرتغالية عام 1963، مارس كرة القدم دون أن يصيب النجاح كلاعب، لاحظ المقربون منه قدرته على قراءة المباريات وكتابة التقارير الفنية عندما كان يتابع المباريات التي يشارك فيها والده حارس المرمى الدولي فيليكس، وهو يملك شهادة جامعية في الثقافة البدنية متخصصا في الجانب التنافسي، كما عمل كمدرب في المدارس الثانوية.
مسيرة مورينيو مع عالم التدريب بدأت في سن مبكر لكن بتدرج شديد، عمل ضمن الأطقم الفنية لفريقي أستريا أمادورا وفيتوريا سيتوبال في بداية التسعينيات، ثم أطلق عليه لقب "المترجم" عندما عمل مع المدرب الانجليزي بوبي روبسون الذي درب فريقي سبورتنغ لشبونة وبورتو، ثم انتقل مع روبسون للعمل كمترجم له في برشلونة الاسباني عام 1996 حيث تعلم اللغة الكاتالونية، وعندما ترك المدرب الانجليزي برشلونة متوجها إلى بي أس في أيندهوفن الهولندي، بقي مورينيو في النادي الاسباني وعمل ضمن طاقم المدرب الهولندي لويس فان غال.
قدرات مورينيو التدريبية بدأت تظهر أمام الجميع، وأخذ يشارك في بعض حصص التمارين، وفي بعض المناسبات، تولى تدريب الفريق الرديف في برشلونة، وأخيرا وفي عام 2000 حصل مورينيو على الفرصة التي استحقها عندما تم اختياره مدربا لبنفيكا البرتغالي بدلا للألماني المحنك يوب هاينكس، واختار "خوسيه" المدافع الدولي السابق كارلوس موزر مساعدا له.
لم يستمر مشوار المدرب البرتغالي كثيرا مع بنفيكا، خاض مع الفريق تسع مباريات فقط اكتسب خلالها شهرة واسعة النطاق خاصة بعد الفوز على سبورتنغ لشبونة بثلاثية نظيفة، جرت انتخابات الرئاسة في النادي، وحل مانويل فيلارينيو بدلا من خواو فالي إي أزيفيدو الذي كان له الدور الأكبر في استقطاب مورينيو، فيلارينيو لم يلتفت كثيرا لنجاح مدربه حيث وعد بتعيين توني.. أحد أشهر اللاعبين في تاريخ بنفيكا، مدربا للفريق في حال فوزه بالانتخابات.
وبعد استلامه دفة الرئاسة، لم تظهر هناك نوايا من قبل فيلارينيو لإقالة مدربه، إلا أن مورينيو أراد ضمان موقعه وطالب بتمديد عقده، الأمر الذي لم يعجب رئيس النادي الجديد، فقرر مورينيو الاستقالة من منصبه، واعترف فيلارينيو لاحقا في مقابلة صحافية أنه أراد تمديد عقد مورينيو في حال نجح الأخير بإحراز لقب الدوري المحلي، وفي موسم 2001-2002، عمل المدرب البرتغالي المعروف بوسامته وتأنقه مدربا لفريق يونياو دي لييريا حيث ارتقى بمستوى الفريق المتواضع حتى قفز للمركز الثالث في الدوري.
حصل مورينيو على فرصة جديدة لإثبارت قدراته عندما عين مدربا لبورتو العريق في كانون الثاني/يناير عام 2002 خلفا لأوكتافيو ماتشادو، عانى الفريق حينها من حالة نفسية سيئة وافتقر لاعبوه للطموح، كان بورتو قد فقد فرصة المنافسة على لقب الدوري البرتغالي وكان على وشك خسارة أحقية اللعب في البطولات الأوروبية، لكن مورينيو كان له رأي آخر حيث حقق الفوز في 11 مباراة وتعادل في اثنتين وخسر اثنتين ليصل بالفريق إلى المركز الثالث ويضمن له مكانا في مسابقة كأس الاتحاد الأوروبي واعدا جماهير الفريق بظهور بورتو بصورته المعتادة في الموسم المقبل.
وضع مورينيو ثقته في لاعبين رأى فيهم عماد المستقبل بالنسبة لبورتو مثل البرتغاليين فيتور بايا وريكاردو كارفاليو وكوستينيا وديكو وهيلدر بوستيغا إضافة للروسي ديمتري ألينتشيف، واصطحب معه نونو فالينتي والبرازيلي ديرلي من لييريا، واستقطب باولو فيريرا من فيتوريا سيتوبال وبدرو إيمانويل من بوافيستا ومانيش الذي انتهى عقده مع بنفيكا، فكون بذلك فريقا واعدا أصبح فيما بعد فريق الأحلام بالنسبة للمشجعين.
اشتهر مورينيو في بداية مسيرته مع بورتو بتقاريره الفنية العلمية الحديثة بعد التمارين والتي كان ينشرها على الموقع الالكتروني الرسمي للنادي، كما عرف بميله لأسلوب الدفاع الضاغط الذي يبدأ من خط المقدمة حيث لا يترك مجالا للتحرك بالنسبة للمنافسين.
وكما وعد مورينيو.. عاد بورتو للفورمة، فاز الفريق بلقب الدوري البرتغالي محققا رقما قياسيا جديدا في عدد النقاط منذ الاستعانة بنظام منح الفائز ثلاث نقاط، حيث حصد الفريق ما مجموعه 86 نقطة من 27 فوزا و5 تعادلات وهزيمتين معتليا القمة بفارق 11 نقطة عن الغريم التقليدي بنفيكا، لم يكتفي بورتو بذلك، وأكمل إنجازاته المحلية بإحراز لقب الكأس بفوزه على لييريا فريق مورينيو السابق، ثم حقق ما لم يتنبأ أحد بتحقيقه عندما ظفر بكأس الاتحاد الأوروبي بعد تغلبه في المباراة النهائية على سلتيك الاسكتلندي.
تلك الإنجازات جعلت من مورينيو بطلا في بورتو ومدربا أسطوريا في عالم الكرة البرتغالية إلا أنه لم يكتفي بما حقق، ورغم خسارة الفريق نهائي الكأس أمام بنفيكا في موسم 2003/2004، إلا أنه حافظ على لقب الدوري البرتغالي ضامنا الفوز به قبل خمس جولات من نهاية المسابقة، والإنجاز الأكبر تمثل في حصول الفريق للمرة الثانية في تاريخه على لقب دوري أبطال أوروبا بعد فوزه في المباراة النهائية على موناكو الفرنسي بثلاثية نظيفة الأمر الذي جعل مورينيو أحد أفضل المدربين في الكرة الأوروبية.
قبل نهاية ذلك الموسم، ارتبط اسم مورينيو بالعديد من الأندية الأوروبية الكبرى على رأسها ليفربول وتشلسي، وأكد مورينيو مرارا أنه يفضل ليفربول قائلا في إحدى المناسبات: "ليفربول هو الفريق الذي يثير اهتمام الجميع، وتشلسي لا يثير اهتمامي في الوقت الحالي لأنه مشروع جديد مليء بالأموال، أعتقد أنه إذا لم ينجح تشلسي في تحقيق مراده فإن أبراموفيتش سيسحب أمواله من النادي، إنه مشروع غير مستقر، من المغري حصول المدرب على الأموال لاستقطاب اللاعبين، لكن لا يوجد ضمان لنجاح مثل هذا المشروع".
لكم مورينيو نفسه لم يستطع مقاومة إغراءات تشلسي، حيث وقع عقدا لتدريب الفريق خلفا للإيطالي كلاوديو رانييري مدرب يوفنتوس الحالي مقابل راتب سنوي بلغ 4.2 مليون جنيه استرليني ارتفع بعد عام إلى 5.2 مليون، وفي المؤتمر الصحافي الذي تم فيه تقديم مورينيو قال المدرب البرتغالي بجرأته المعهودة: "أرجوكم، لا تنعتوني بالمغرور، لكنني بطل أوروبا وأعتقد أنني بطل مميز".
وفور توقيعه العقد بدأ مورينيو في البحث عن نجوم جدد، فاشترى خدمات العاجي ديدييه دروغبا من مرسيليا الفرنسي، والبرتغالي تياغو منديز من بنفيكا، والصربي ماتيا كيزمان من بي أس في أيندهوفن، وباولو فيريرا وريكاردو كارفاليو من بورتو، وحصل مورينيو على أول ألقابه مع تشلسي محرزا كأس رابطة الأندية الانجليزية المحترفة على حساب ليفربول، ثم قاد الفريق للفوز ببطولة الدوري الانجليزي للمرة الأول منذ 50 عاما، علما بأنه خرج من الدور نصف النهائي لمسابقة دوري أبطال أوروبا على يد ليفربول نفسه.
وفي الموسم التالي قاد مورينيو فريقه للحفاظ على لقب الدوري الانجليزي رغم ملاحقة مانشستر يونايتد، وفي يوم تتويج الفريق، رمى مورينيو ميداليته باتجاه الجمهور، فتم منحه ميدالية أخرى لكنه رماها مجددا مفسرا فعلته بأن الميدالية التي حصل عليها لا تختلف عن سابقتها (ميدالية الموسم السابق) فقرر إهداءها للجمهور تقديرا منه على وفائهم للفريق.
والموسم الماضي شهد إحراز مورينيو لقب كأس انجلترا، لكن الفريق خسر لقب الدوري لمصلحة مانشستر يونايتد في المرحلة قبل الأخيرة رغم تعزيز الفريق بالألماني مايكل بالاك والأوكراني أندري شفتشينكو، وكان قد فاز في وقت سابق بكأس رابطة الأندية الانجليزية المحترفة.
وجاهر مورينيو بحلمه في تدريب المنتخب البرتغالي قبل أن ينهي مشواره التدريبي، وعندما فاز تشلسي بلقبه المحلي الثاني بالدوري الانجليزي ارتدي المدرب المثير للجدل وشاحا عليه علم البرتغال وقال في مؤتمر صحافي: "هذا يعني أنني برتغالي، لن أضع وشاحا لبلد آخر، أستطيع أن أشعر كل شيء في بلدي، هناك بعض الجرذان التي ما زالت تنتظر الاحتفال بأخطائي، لكن عندما أفكر بـ10.5 ملايين برتغالي يعملون في كافة أنحاء العالم، أعلم ماذا أعني لهم، أعلم أنهم فخورون بما أفعله".
ومورينيو متزوج من ماتيلدا منذ عام 1989، وله منها ماتيلدا وخوسيه الصغير، ويعرف المدرب البرتغالي على نطاق واسع بشخصيته القوية لذلك عمل في الكثير من الإعلانات التجارية لصالح شركتي "سامسونغ" و"أميركان إكسبرس" وغيرها من الشركات المعروفة.
والآن رحل مورينيو عن تشلسي.. قرار صدم جمهور النادي اللندني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو.. أين ستكون وجهة مورينيو التالية.. أمامنا التفكير بالخيارات التالية:
-برشلونة: يبدو الخيار مطروحا خاصة بعد أن تناقلت وسائل الإعلام الاسبانية أخبار مفادها وجود خلافات بين المدرب الهولندي فرانك ريكارد وإدارة النادي، لكن النتيجة الكبيرة التي حققها الفريق الكاتالوني أمام ليون الفرنسي (3-0) في دوري أبطال أوروبا، تجعل الخيار غير وارد.
-توتنهام: بما أن مورينيو ارتاح لأسلوب الحياة في انجلترا.. قد يقرر البقاء فيها لتولي تدريب توتنهام، حيث منح الأخير مدربه الهولندي مارتن يول شهرا لتصويب أوضاع الفريق وإلا سيفقد منصبه.
-المنتخب البرتغالي: خيار وارد.. خاصة مع ظهور خلافات بين المدرب البرازيلي لويس فيليبي سكولاري والإتحاد المحلي للعبة على خلفية "صفع" الأول للاعب صربي في تصفيات كأس أوروبا 2008.
-انتر ميلان: أموال مالك النادي موراتي قادرة على شراء خدمات مورينيو، وما يعزز هذا الخيار هو عدم ثقة متابعي الكرة الإيطالية في قدرة المدرب روبرتو مانشيني على تحقيق المزيد من الإنجازات للفريق خاصة بعد الخسارة أمام فناربغشة في دوري أبطال اوروبا.
-أتلتيكو مدريد: خيار آخر متاح، منصب المدرب المكسيكي خافيير أغواير في خطر بعدما حقق الفريق بداية مخيبة في الدوري الاسباني على الرغم من إنفاق عشرات الملايين لتعزيز الصفوف.
عموما.. مازال الحديث مبكرا حول وجهة مورينيو المستقبلية، وهناك حديث آخر عن مستقبل العديد من نجوم تشلسي مع الفريق وعلى رأسهم الإنجليزيان فرانك لامبارد وجون تيري، كما أن وسائل الإعلام بدأت تتحدث منذ الآن عن الخليفة المنتظر لمورينيو وسط تكهنات بدخول الألماني يورغن كلينسمان والإيطالي فابيو كابيللو والاسباني خواندي راموس على خط المنافسة.
مورينيو قال في أحد الأيام: "هناك وسيلتان فقط لرحيلي من تشلسي، إما أن أترك الفريق عام 2010 بعد انتهاء مدة عقدي ولا يرغب النادي بمنحي عقدا جديدا، أو إذا تمت إقالتي، أن أقرر بنفسي ترك الفريق؟ لن أفعل ذلك أبدا.. لن أخذل أنصار الفريق"، مورينيو ترك تشلسي بالطريقة التي لم يحبذها إطلاقا خاصة بعد الضغوط التي تلقاها في الفترة الماضية حيث قال بعد التعادل مع روزنبورغ: "البيض المخبوز (العجة بالعامية)، البيض، لا بيض، لا بيض مخبوز، الأمر يعتمد على جودة البيض، في السوبرماركت هناك بيض نخب أول ونخب ثاني ونخب ثالث، هناك بيض أغلى من الآخر، وهناك بيض يعطي بيضا مخبوزا أفضل، لكن عندما يختفي بيض النخب الأول من السوق فهناك مشكلة"، في إشارة إلى نقص الصفوف الذي يعاني منه تشلسي جراء الإصابات المتلاحقة للاعبين
موضوع: استقالة جوزيه مورينهو مدرب تشلسي 
الخميس سبتمبر 20, 2007 5:30 pm
